هل يتسبب حكام طهران بإشعال الحرب في الشرق الأوسط ؟

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
26/12/2007 06:00 AM
GMT



لم يعد خافياً على أحد التدخل السافر لجمهورية إيران الاسلامية في الشؤون الداخلية للعديد من دول الشرق الأوسط، وتلعب القيادة الإيرانية دوراً خطيراً في إشعال نيران الصراعات في العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان للتأثير على مجريات الأمور في هذه البلاد، مستهدفين من وراء ذلك تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى تتعلق بالصراع الدائر مع الولايات المتحدة من جهة ، وبتحقيق أطماعها في المنطقة، والتي باتت معروفة لكل متتبع للسياسة الإيرانية منذ وقوع الثورة الإسلامية عام 1978.
إن حكام إيران الذين أصبح حكمهم مكروهاً جدا في نظر الشعب الإيراني، ويشهد معارضة شديدة ليس من قبل القوى المعارضة أساساً لهذا النظام الغارق في رجعيته ودمويته واضطهاده لحقوق وحريات الشعب، والتدخل الفظ في كل الأمور الشخصية صغيرها وكبيرها، بل أن الشرخ قد أصاب الفئة الحاكمة نفسها ما بين محافظين وإصلاحيين في محاولة لامتصاص نقمة الشعب الإيراني على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية المزرية ، وانتشار الفقر الذي عمّ جانباً كبيراً من المواطنين ، مما يهدد بانتفاضة شعبية ضد النظام القمعي ، وغير المهتم بمصير شعبه.
ومن أجل تحويل أنظار الشعب الإيراني عن مشاكله وأوضاعه الصعبة ، وترهيبه من خطر تواجد القوات الأمريكية على حدودها الغربية في العراق، وعلى حدودها الشرقية في أفغانستان، وتواجد الأساطيل الحربية في الخليج من جهة ، ولتحقيق أطماع حكام طهران التاريخية في العراق، حيث تمارس القيادة الإيرانية كل أشكال التدخل في الشأن العراقي، من خلال دعم ما يسمى بجيش المهدي وقائده مقتدى الصدر، ومنظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى الذي يقوده عبد العزيز الحكيم ، والتي نشأت وجرى تسليحها وتدريبها ومدها بالأسلحة والمعدات من قبل النظام الإيراني، بالإضافة إلى التمويل المستمر بملايين الدولارات ، وتسخير أجهزتهم الإعلامية لدعم هذه الميليشيات.
وبسبب الانفلات الأمني في العراق نتيجة للنشاط الإرهابي التي تمارسه القوى الصدامية الفاشية المدحورة وحلفائها الظلاميين من كلا الطائفتين السنية والشيعية في محاولة بائسة للعودة بشعبنا نحو العبودية البعثية والظلامية ، فإننا نشهد تدفق العصابات الإرهابية والأسلحة عبر الأراضي الإيرانية والسورية والسعودية كل يوم وباستمرار لينشروا الخراب والدمار في ربوع العراق ، ويروعوا شعبنا الذي لم يكد يتنفس الصعداء بسقوط نظام صدام الفاشي البشع ليوقعوه في حالة من الرعب والخراب والدمار والقتل الأشد وطأة، جراء السيارات المفخخة والمتفجرات المزروعة بين الأحياء السكنية وأرصفة الشوارع، والتي حصدت وما تزال تحصد أرواح الألوف من المواطنين الأبرياء. بل لقد تجاوز ذلك إلى إشعال الحرب الطائفية بين الطائفتين الشيعية والسنية ، وبات القتل على الاسم والهوية سيد الشارع في مختلف المدن العراقية.
أن أيادي حكام طهران في الأحداث الجارية في العراق لا يمكن إخفائها مهما حاول الإعلام الإيراني التنصل منها، فهناك من الأدلة والشواهد لدى السلطات العراقية ما يدين التدخل الإيراني في العراق.
إن حكام طهران يخطئون في حساباتهم ، ويكررون أخطاء نظام المقبور صدام حسين في مناطحته لأمريكا من جهة ، ويخطئون في إمكانية تحقيق أحلامهم بالهيمنة على العراق من خلال دعم أذنابهم من جهة أخرى.
إن الشعب العراقي لن يسمح بأية حال من الأحوال أية هيمنة أجنبية سواء كانت أمريكية أو إيرانية أو أي جهة كانت ، وأن سلوك حكام طهران هذا لن يُخرج القوات الأمريكية من العراق ، بل على العكس من ذلك سيطيل بقائها لأمد طويل ، وفاقد البصر والبصيرة من يعتقد أن أمريكا يمكن أن تسمح بأن يكون العراق لقمة سائغة في حلوق حكام طهران ، أو أن تسمح بقيام نظام حكم إسلامي موالٍ لإيران ، ولنا من دروس التاريخ القريب ما يثبت هذا ، فلقد وقفت أمريكا إلى جانب النظام الصدامي أبان انتفاضة الشعب في الأول من آذار عام 1991 بعد أن شعرت بمحاولة حكام طهران الهيمنة على مجريات الانتفاضة ، فكانت النتيجة وقوع الكارثة التي حلت بالشعب العراقي، بعد أن سمحت أمريكا لنظام صدام حسين بقمع الانتفاضة بكل الأسلحة التي بحوزته، وتدمير المدن والقرى الشيعية والكردية ودفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً من دماء أبنائه البررة جاوزت مئات الألوف ، دعك عن الخراب والدمار الذي حل بالمدن العراقية .
إن حكام إيران اليوم يلعبون بالنار حقاً ، إنهم يطيلون من عذابات شعبنا ومعاناته الصعبة أنهم يطيلون من بلاء الاحتلال الجاثم على صدورنا ، أنهم يمنعون إعادة بناء العراق ومعالجة أحوال شعبنا الاقتصادية والصحية والاجتماعية والثقافية المتردية إلى الحضيض، إنهم يمنعون تحقيق حياة كريمة لشعبنا ، بل وينغصون حياته كل يوم حتى غدا همه الأول تحقيق الأمن والأمان قبل الطعام ، فأية محنة هذه التي يحياها شعب العراق ؟ وأي أعذار لحكومة طهران تسمح لها بأن تمارس هذه اللعبة القذرة والخطرة على ارض العراق ؟
ومما زاد في سعار النظام الإيراني، وتصاعد تدخله الفظ في الشؤون العراقية كان تصدي الإدارة الأمريكية لمساعي حكام طهران المحمومة للحصول على السلاح النووي، وهذا أمر لا يمكن أن تسمح به أمريكا وحلفائها الغربيين، وكلما أوغل حكام طهران في سياستهم الخرقاء وأصروا على مواصلة هذا الطريق ليجعلوا من إيران دولة نووية، كلما عجلت الإدارة الأمريكية في اتخاذ قرار الحرب ضدها.
أن إيران بسياستها الحمقاء هذه لن تحرق العراق وشعبه وحسب ، بل وبكل تأكيد ستحرق إيران وشعبها، بل ستمتد نيران الحرب لتطال معظم دول الخليج التي أقامت فيها الولايات المتحدة قواعدها العسكرية، والنار تبدأ عادة بعود ثقاب بسيط ، لكنها عندما تمتد وتستعر فإن حكام طهران لن يكونو قادرين على إخمادها بكل تأكيد.
بالأمس وقف وزير دفاعهم شمخي أمام وسائل الإعلام يهدد الولايات المتحدة وأضاف إليها إسرائيل بصواريخه والكل يدرك أن الولايات المتحدة تملك من الأسلحة مما لا قبل لإيران وغير إيران بمجابهته ، إذا استثنينا جدلاً العملاقين روسيا والصين ، وحتى هذين البلدين لم يهددا الولايات المتحدة علناً ولا سراً، وهم يدركون ما تعنيه الحرب من دمار لكوكب الأرض بمن فيه ، وينشدون قيام علاقات طبيعية ، وتعاون متبادل قائم على أساس الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة خدمة لشعوبهم .
أن معالجة الأوضاع في العراق ، وتحقيق السيادة الكاملة ، وإخراج كافة القوات الأجنبية من أرض الوطن دون استثناء هي مهمة وطنية بلا أدنى شك ، وخائن من لا يناضل من أجل حرية وطنه وشعبه.
لكن إحراق العراق والمجازفة بمصير شعبه يمثل خيانة أشد وأخطر ، وأن السبيل الوحيد في الوقت الحاضر يتمثل في إعادة الأمن والسلام إلى ربوع العراق ، ومعالجة الجروح العميقة التي سببها النظام الصدامي وحروبه الإجرامية ، وعند ما يسود الأمن وتستقر الأوضاع فلن تبقى لأمريكا وحلفائها أية حجة في البقاء على أرض الوطن ، وعلى كل مواطن غيور على مصالح شعبه وحرية وطنه أن يناضل من أجل تحقيق الجلاء الكامل للقوات الأجنبية ، مستخدمين أسلوب النضال السلمي لإقناع الولايات المتحدة وحلفائها بالرحيل ، وإقامة علاقات متكافئة مع تلك البلدان قائمة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة جميع الدول صغيرها وكبيرها ، فنحن نعيش في عالم لا يمكن أن يتحمل حرباً عالمية جديدة لا تبقي ولا تذر ، ولا سبيل أمام البشرية سوى التعايش السلمي والتعاون وتبادل المنافع .
وسيكون واجباً على الشعب العراقي بكافة مكوناته أن يصعد من أساليب نضاله شيئاً فشيئاً إذا ما رفضت قوات الاحتلال الرحيل ، ومن حقه أن يستخدم كل إمكاناته لتحقيق هذا الهدف الوطني النبيل ، وأنا على ثقة قصوى بأن كل أطياف شعبنا سيكونون متكاتفين ومتعاضدين لتحقيق هذا الهدف المنشود .